لم اكن أتخيل في يومٍ ان يصل بي الحال الى ان أكتب مقالًا اتحدث به عن تجربة مشاركة في سباق جري رسمي فإهتماماتي في الحياة بعيدة كل البعد عن هذا المجال. الركض الوحيد الذي أعرفه وأمارسه بشكل يومي هو الركض خلف اسياخ الشاورما لأتوج مجهودي الذي بذلته في التنقل بين تطبيقات توصيل الطعام وانا مستلق على أريكتي "بساندويشة" شاورما يسيل لها اللعاب. ابلغوني اصدقائي عن سباق ركض في العلا وقررت أن أشارك وكانت ردود الفعل "مهبول انت!" أصررت على المشاركة وسجلت في السباق وقبل السباق باسبوعين وانا جالسٌ على صحن "مفطح" أبلغت الجالسين معي عن السباق الذي سأشارك به فرد احدهم بسخرية "اي خير ان شاء الله" وبادر الثاني بإعطائي قطعه لحم مغلفة بالشحم من كل الجهات وقال "اقول خذ ذي بتفيدك في الكيلو السابع يا بولت" وسط ضحكات الجميع وانا أولهم.
بدأت في اليوم التالي بالاستعداد للسباق فركضت في اليوم الاول ثلاث كيلومترات وبعد عدة ايام زدت المسافة بالاستعانه يتوجيهات ودعم صديقتي "الركيضة" وهكذا الى ان حل موعد السفر والتوجه الى العلا. وصلنا للعلا وقضينا يومين جميلين قبل السباق وذهبت للنوم استعدادًا للسباق في اليوم التالي. استيقظت صباحا وتوجهت لاتناول افطاري بالكميات المعتادة وتذكرت ان افطاري عادة تليه غيبوبة فتنازلت وافطرت مثل باقي المتسابقين بعض حبوب الافطار ذات اللون البني وحليب خالي الدسم يكاد ان يكون شفافا نزع منه الدسم بإخلاص متفانِِ وموزة، لم استسغ الطعم في البداية فقمت بخلط المكونات وتخيلت انه صحن "معصوب" معمولٌ بحب من المعلم عبده.
وصلنا الى نقطة الانطلاق كان الكل متأهبا ومستعداً للسباق، يجرون عمليات الاحماء والحماس يملأُ أعينهم، قمت بتقليد التمارين التي يقومون بها. ثم اصطففنا وانطلقت صافرة السباق وسط حماس منقطع النظير من المشاركين والمنظمين والحضور وانطلق محمد بكل ما يحمل من شحوم وشاورما وبرجر مختبئين بين ثنايا "كرشته" التي تتراقص مع كل خطوة في أول سباقِِ له في حياته بكل حماس وإصرار. وبعد ٣٠٠ متر تقريبا صدمت كل طموحاتي وآمالي بجبل يجب ان نصعده! قررت ان أصعد هذا الجبل سيراً وليس ركضا لان صعوده ركضا سيؤدي الى استنزاف طاقتي التي حافظت عليها لمدة ٢٨ سنة. صعدت واكلمت السباق ركضاً بدون توقف الى ان وصلتُ لمحطة المياه في الكيلومتر الخامس وقتها بدأت مفاصلي بالتخلخل وعضلاتي بالاستسلام شربت ماًء وعصيراً وتناولت نصف موزة، واسترحت قليلا وقلت في نفسي "اللي خلاك تركض اول ٥ كيلو يخليك تركض نفسها" وأكملت السباق.
لمن لا يعلم السباق عبارة عن ١٠ كيلومترات في مسارات رملية وجبلية مختلفة التضاريس يركض المتسابقون من كل فئة خلف أعلام ذات لون محدد تقودهم الى خط النهاية. الفئة التي أنتمي لها مسارها محدَدٌ بأعلام زرقاء والفئة الاخرى والتي تركض ٨٣ كيلو (والعياذ بالله) ألوان أعلامهم حمراء. المهم .. وانا أركض بعد مغادرتي نقطة الخمسة كيلومتر بعدة كيلومترات وجدت نفسي في مسار رملي غزير تغرز به الناقة واذ بعلم يلوح أمامي وكانت المفاجأة لون العلم أحمر!! سألت من معي: كم المسافة التي ركضناها حتى الآن؟ فإذا هي بتسعة كيلومتر وبالنظر الى منعطف الفصل الأخير فهو يبعد عنا حينها ما يقارب الثلاثة كيلومترات … في تلك اللحظة علمت ان مشواري قد انتهى حيث ان الرجوع للخلف والعودة للمسار الصحيح يعني انتهاء المدة المسموحة للسباق وان إكمال الطريق من المسار الصعب مستحيلا حيث ان أقدامي لم تعد قادرة على الاستمرار وبدأت أشعر بالم في معظم أجزاء جسمي. توقفت لدقيقة لأقوم باتخاذ القرار وتذكرت حينها أحد معاهداتي مع نفسي قبل السباق بأيام بأنني لن اتوقف حتى وان انتهى الوقت فأنا هنا لا أبحث عن ميدالية، انا هنا لاخوض تجربة، وعليها قررت ان أُكمل السباق سالكاً المسار الصعب ذو الأعلام الحمراء أركض ومع كل خطوة يزداد الألم والتعب الى ان وصلت لنقطه يتاقطع بها مسار الفئتان واكلمت الركض مقتربا من الجزء الأخير من السباق مع تبقِ عشرون دقيقة تقريبا على انتهاء الوقت وإذا به طريق معبد منحيُُ للأعلى بما يتراوح ٣٥-٤٥ درجة ميلان صعودا، حينها كانت لحظة صراع داخلي بين الارهاق والتعب والألم وبين طموح الوصول إلى الهدف، بين لحظه إنهيار ولحظه تحفيز يهتف بها عقلي الباطن "ما بقى شي يبوحميد" أكملت وانا اتقطع تعبا. وقبل انتهاء وقت السباق بسبع دقائق رأيت آثار خط النهاية اكلمت طريقي ونسيت كل مشاعر الألم وسط هتافات اصدقائي وصديقاتي بأعلى اصواتهم "عاش حموووود" كانت كالوقود الذي انساني كل الانهاك الذي أعيشه وأحسست انني أركض فوق السحاب وانا أتجاوز خط النهاية وسط هتافات الحضور مكملا السباق راكضا ١٣ كيلومترا.
وقتها ايقنت ان لا مستحيل مع الاصرار وان لحظات الفرح بالإنجاز كفيلة ان تمحوا كل قطرة عرق سقطت في سبيل الوصول، وان تحقيق الاهداف دائما يبدأ من تحديد الاهداف الشخصية المبنية على اصرار داخلي لخوض التجربة الكاملة والوصول للهدف المرسوم، وعادة لا تحقق الاهداف اذا كان دافعها فقط الحصول على ميدالية او صورة في قمة للتباهي بها في "بوست انستقرامي".
Comentarios